الدبلوماسية السعودية- حلول الأزمات وصناعة الفارق تنطلق من الرياض

المؤلف: فراس ابراهيم طرابلسي10.04.2025
الدبلوماسية السعودية- حلول الأزمات وصناعة الفارق تنطلق من الرياض

في دهاليز السياسة العالمية، تتأرجح الدول بين المراقبة والترقب، بينما تنشغل أخرى في المفاوضات الدؤوبة. لكن ثمة دولًا استثنائية تصنع الفارق الجوهري، وتعيد ترتيب الأولويات حينما تشتد الأزمات وتتعقد المسارات. والمملكة العربية السعودية، بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وبتوجيهات سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، أثبتت بما لا يدع مجالًا للشك، أن الحلول المبتكرة والناجعة تكمن دائمًا في رحاب الرياض.

إننا لسنا بصدد دور إقليمي فحسب، بل أمام استراتيجية سعودية متميزة أصبحت مركزًا حيويًا في التغلب على التحديات الدولية، وذلك من خلال مزيج فريد من الرؤية المستنيرة، والمرونة الدبلوماسية، والمنظور الاستراتيجي الشامل الذي لا يقتصر على معالجة القضايا الراهنة، بل يمتد ليشمل إعادة تشكيل توازنات القوى، بما يخدم المصالح المشتركة ويعزز الاستقرار الإقليمي والعالمي على حد سواء.

على مر التاريخ، كانت الرياض ملجأً آمنًا لحل المعضلات الكبرى، سواء في منطقة الشرق الأوسط أو خارجها، ولم يكن هذا الأمر مجرد صدفة عابرة، بل هو نهج راسخ جعلها وجهة مفضلة للقادة والزعماء عند تفاقم الأزمات واشتداد الصراعات. فالمملكة ليست مجرد طرف محوري في المعادلات الإقليمية والدولية، بل هي وسيط نزيه وقوة دافعة نحو إيجاد حلول منطقية وعقلانية، بعيدًا عن المزايدات السياسية الضيقة أو الاصطفافات المؤقتة التي لا تخدم السلام والاستقرار.

لا يمكن بأي حال من الأحوال الحديث عن الدور المتنامي للمملكة العربية السعودية في الوقت الراهن، دون الإشارة إلى المحطات الدبلوماسية الحاسمة التي شكلت علامات بارزة في التاريخ السياسي المعاصر، وأكدت بجلاء أن القرارات المصيرية تُتخذ في الرياض، ومن أبرز هذه المحطات:

الاجتماع الروسي الأمريكي في المملكة لمناقشة الأزمة الأوكرانية:

في الوقت الذي كان فيه العالم يشهد انقسامًا حادًا بين موسكو وواشنطن بسبب الحرب الدائرة في أوكرانيا، فتحت الرياض أبوابها لحوار بناء طالما بدا مستعصيًا. لم يكن هذا اللقاء لقاءً بروتوكوليًا، بل تجسيدًا لمبدأ سعودي ثابت: لا توجد أزمة بدون حل، ولا يمكن الوصول إلى حل بدون حوار جاد ومثمر.

زيارة الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إلى المملكة وسط الأزمة:

بينما كانت كييف تبحث عن مسارات جديدة للحوار، جاءت زيارة الرئيس زيلينسكي إلى المملكة لتؤكد أن السعودية لا تكتفي بلعب دور الوسيط المحايد، بل توفر أيضًا منصة آمنة للحوار المباشر وغير المباشر بين الأطراف المتنازعة، بهدف التوصل إلى حلول مرضية للجميع.

زيارة الرئيس اللبناني جوزيف عون إلى الرياض:

في أول زيارة رسمية له خارج لبنان منذ توليه منصبه قبل شهرين تقريبًا، اختار الرئيس اللبناني جوزيف عون أن تكون المملكة العربية السعودية وجهته الأولى، في إشارة لا لبس فيها إلى مكانة الرياض كمركز لصنع القرار في المنطقة. لم تكن هذه الزيارة مجرد تحرك دبلوماسي اعتيادي، بل كانت تأكيدًا على أن لبنان يدرك تمام الإدراك أن مفتاح استقراره السياسي والاقتصادي يمر عبر المملكة، وأن السعودية لا تزال الداعم الرئيسي لاستقرار بيروت في مواجهة التحديات المتزايدة.

زيارة الرئيس السوري أحمد الشرع إلى الرياض:

لم تكن زيارة الرئيس السوري أحمد الشرع إلى الرياض مجرد زيارة بروتوكولية، بل كانت اعترافًا صريحًا من القيادة السورية بالدور السعودي المحوري في دعم استقرار سوريا بعد سنوات من الأزمة الطويلة. فور توليه رئاسة سوريا، اختار الشرع أن تكون السعودية وجهته الأولى، في خطوة تعكس التقدير العميق للجهود التي بذلتها المملكة في دعم وحدة سوريا وسيادتها واستقرارها، وإيمانًا منه بأن الرياض لم تكن مجرد مراقب سلبي للأحداث، بل كانت ركيزة أساسية في المساعي الرامية إلى إعادة سوريا إلى مكانها الطبيعي في المنظومة العربية.

إن ما يميز السياسة السعودية اليوم عن أي وقت مضى، هو أن دبلوماسيتها ليست مجرد تحركات سياسية تقليدية، بل هي امتداد لرؤية واضحة المعالم يقودها الأمير محمد بن سلمان، رؤية لا تقوم على إدارة الأزمات فحسب، بل على هندسة حلول مبتكرة وجديدة، تعيد ضبط المشهد الدولي بمنظور متوازن وحكيم.

لم يكتفِ سمو ولي العهد بتعزيز مكانة المملكة كلاعب محوري في الساحة الدولية، بل حولها إلى وجهة سياسية مفضلة لمن ضاقت بهم السبل وتشتت بهم الدروب، سواء كانوا قوى دولية كبرى، أو قادة إقليميين يبحثون عن مساحة آمنة للحوار وتبادل وجهات النظر. ففي ظل قيادته الرشيدة، لم تعد الرياض مجرد وسيط تقليدي، بل منبرًا عالميًا يُشد إليه الرحال عند الأزمات، حيث لا توجد وعود زائفة، ولا تحركات عاطفية، بل عمل سياسي دقيق ومدروس يراعي المصالح المشتركة ويعزز الاستقرار الإقليمي والعالمي.

وختامًا، في عالم يشهد تحولات متسارعة، وتتشكل فيه التحالفات وتتفكك على نحو غير مسبوق، تبقى المملكة العربية السعودية هي الركيزة الثابتة الوحيدة في معادلة الاستقرار. وعندما تتحدث الرياض بصوت الحكمة والعقلانية... ينصت العالم بأسره باهتمام بالغ، وهو الأمر الذي لم يأتِ من فراغ، بل هو نتاج عقود طويلة من العمل الدبلوماسي الحكيم والرشيد، الذي يعرف متى يتدخل، وكيف يدير التوازنات الدقيقة، ومتى يصنع الفارق الإيجابي.

ولهذا... لم يكن من المستغرب على الإطلاق أن يكون الحل دائمًا في الرياض، لأنها رمز الحكمة والاعتدال والاتزان في عالم مضطرب.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة